جديد الإعلانات :

العنوان : من أحكام الإجارة و آدابها ومخالفاتها

عدد الزيارات : 2252

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).

(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا)

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا)

أما بعد:

فإن الإجارة من العقود التي تمس إليها حاجة الناس حتى إنهم لا غنى لهم عنها لذا أذن الشارع فيها وجعل لها من الشروط والقيود ما تتم بمراعاتها مصالح الإجارة  وتنتفي مفاسدها.

ومن أحكامها أن يكون الطرفان على علم بكل ما يتعلق بعقد الإجارة من مقدار الأجرة والعمل المطلوب من الأجير أو المنفعة المستأجرة، والعلم بمدة الإجارة ونحو ذلك مما يؤثر في العقد.

لأن العلم بهذه الأمور مما يبعد أسباب الاختلاف والشقاق والنزاع وظلم كل من الطرفين للآخر.

ففي الحديث (من استأجر أجيراً فليسم له أجرته) روي موصولاً ومرسلاً.

وما أحسن ما فعل الرجل الصالح الذي قدم عليه موسى إذ قال له (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ) فانظر كيف بدأ بتعيين الأجرة قبل بيان العمل المطلوب ومدته اهتماماً منه بشأنها.

ومن أحكامها المبادرة إلى إعطاء الأجير أجرته فور انقضاء عمله فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) رواه ابن ماجه.

ومن أحكامها وجوب قيام الأجير بعمله الموكل إليه على أتم وجه وأحسنه قدر استطاعته فإنه يعمل بأجر لا يستحقه إلا بمقابله من العمل. وإذا راقب العامل ربه فإنه لا يبالي اطلع عليه المستأجر أم لا. لأنه يعلم أن الله مطلع عليه وسيجازيه على أمانته وعلى خيانته.

لكن من قلت أمانته ورقت ذمته فإنه لا يفكر إلا في المخلوق فإن راقبه اجتهد وأحسن وإن غفل عنه أو علم أنه لا يدري حقيقة هذه الصنعة أساء وأهمل وادعى أنه أنجز العمل على أحسن صورة.

أيها الإخوة في الله :

إن باب الإجارة قد دخله كثير من المخالفات من قبل بعض الناس ومن تلك المخالفات على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: إجارة المحلات للمنافع المحرمة كمن يؤجر عقاره ليكون وكراً للفساد كمصنع للخمور أو محلاً للزنا والفجور والعياذ بالله. ومنها أن يؤجر عقاره لبيع وتأجير ِأشرطة الأغاني وأفلام الفديو أو الأطباق الهوائية التي تنقل القنوات المنحلة عقيدة أو أخلاقاً.

ثانياً: استئجار من منعت الدولة من استئجاره لمخالفته نظام العمل في البلاد سواء من الرجال أو من النساء فإن الله أوجب طاعة أولى الأمر في غير معصية الله وهذا الباب مما تجب طاعتهم فيه.

ثالثاً: العبث بالعين المستأجرة للانتفاع بها كمن يستأجر شقة مفروشة فيعبث فيها بنفسه أو بأطفاله بالكتابة على جدرانها أو إفساد أدواتها ونحو ذلك من صور العبث والفساد.

وكالعبث بالسيارات المستأجرة من خلال التفحيط بها أو إتلاف بعض ما فيها أو تعطيل ما تتبين به المسافة التي قطعها المستأجر أوغير ذلك مما لا يخفى عليكم.

رابعاً: تأجير العامل نفسه للقيام بعمل لا يحسنه ولا يتقنه فيحصل بسبب ذلك من الفساد الشيء العظيم سواء كان ذلك الفساد في مجال إصلاح السيارات أو بناء البيوت أو التعليم أو الطب أو غير ذلك من مناحي الحياة. وتعظم المصيبة حين تُكتشف الجهالة بل الخيانة بعد فوات الأوان حين لا يمكن تلافي الخلل ولا إصلاح الخطأ.

خامساً: استغلال الأجير طبيعة عمله للإفساد في الأرض بالنظر إلى العورات أو فعل الفاحشة أو بيع وسائل الفساد وترويجها كمن يعمل في محل أكثر مرتاديه من النساء كالمشاغل والملابس النسائية ونحوها، ومن يقوم بتوصيل الطلبات المنزلية في البقالات والمطاعم وكمن يتلقى الاتصالات الهاتفية في هذه المحلات فهؤلاء عليهم مسؤولية أكبر من غيرهم لحساسية العمل الذي يقومون به فعليهم من غض البصر والبعد عن أسباب الريبة والفتنة ما ليس على غيرهم ممن لا تعرضه طبيعة عمله لهذه الأمور.

وعلى أصحاب البيوت التنبه والحذر فقد حصل بسبب التهاون بهذا النوع من العمالة من الشر والفساد ما حصل ويحصل نسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه.

سادساً: مما عمت به البلوى اليوم استقدام العاملات المنزلية والسائقين والخدم مما لا غنى لكثير من الناس عنهم والواجب على من ابتلي بشيء من ذلك أن يتقي الله في نفسه وفي أهله وفي عماله. وذلك بإلزام المرأة الأجنبية بالحجاب الشرعي عن الأجانب عنها. فلا تتكشف نساؤه أمام الخادم والسائق ولا تتكشف الخادمة أمامه وأمام الذكور من أولاده, ولا يخلو بالخادمة في البيت ولا يخلو الخادم بامرأته أو ابنته.

أيها الإخوة :

إن من آداب الإسلام في التعامل مع المماليك ومع الخدم والأجراء أن يحسن التعامل معهم بعدم ظلمهم أو تكليفهم ما لا يطيقون أو التعرض لهم بالسب والشتم والاحتقار والسخرية فليست هذه من أخلاق الإسلام وأهله.

في الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم)

ومن صور الإحسان إلى الخادم ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه) أي تولى صنعه وعمله.

ومن الإحسان إلى الأجراء من الخدم ونحوهم طيب الكلام معهم وعدم تعنيفهم والصبر عليهم وتقويمهم بالتي هي أحسن إلا إذا تعمد الإساءة والأذى فلكل مقام مقال.

قال أنس بن مالك خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي عن شيء صنعته لم صنعت هذا هكذا؟ ولا قال لي لشيء لم أصنعه : ألا صنعت هذا هكذا ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ” متفق عليه.

وإذا كان العامل أو العاملة على غير دين الإسلام فهذه فرصة عظيمة لعرض الإسلام عليهم بنفسه أو من خلال مكاتب التوعية فلعل الله أن ينقذه من النار بسببك فيكون لك أجره وأجره من يهتدي على يديه مستقبلاً ..

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين …

الخطبة الثانية

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واحذروا من ظلم العمال والأُجَراء فإن الأجير له مخاصم يخاصم عنه يوم القيامة، أتدرون من هو؟ إنه الله جلّ وعلا ، وما ظنك بمن يكون اللهُ خصمًا له!! إنه هالك لا محالة.

قال ﷺ: «قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر. ورجل باع حراً فأكل ثمنه. ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجرته) رواه البخاري.

ومن سولت له نفسه الأمارة بالسوء أن يبغي على أجيره بظلم أو ضرب أو أذية مستغلاً ضعفه وعجزه فليتذكر أن الله تعالى أقوى منه وأقدر عليه من قدرته على أجيره قال أبو مسعود : كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً يقول : اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك منك عليه. فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . قلت يا رسول الله : فهو حر لوجه الله . فقال أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار) رواه مسلم.

إن الذين يسيئون معاملة أجرائهم إنما يسيئون إلى أنفسهم أولاً ويسيئون إلى سمعة دينهم ولا سيما إذا كان الأجير غير مسلم, ويسيئون إلى سمعة بلادهم إذا كان الأجير غريباً ليس من أهل البلد.  فهي جناية متعدية.

ولما كان المسلمون في العصور الأولى يتحلون بالأخلاق الإسلامية السامية مع الناس ومنهم المماليك أو الأجراء دخل الناس في دين الله أفواجاً لأنهم وجدوا عدل الإسلام وسماحته ونقاءه وصفاءه متمثلاً في أخلاق أهله فسارعوا إلى الدخول فيه.

فكيف يرضى المسلم أن يكون وسيلة من وسائل التنفير عن دينه الذي هو الدين الحق.

أم كيف يرضى أن يكون وسيلة من وسائل تشويه سمعة وطنه الذي هو وطن الإسلام وحامل رايته.

أيها المسلمون:

اتقوا الظلم كله ولا سيما ظلم العباد فإنه ديوان لا يفلت منه شيء إما أن يعفو المظلوم وإما أن يأخذ بحقه، فإن لم يحصل شيء من ذلك في الدنيا كان القصاص في الآخرة

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لتؤدَّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء )

وفي الصحيحين عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه).

وفي صحيح مسلم عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هاذ فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) .

ثم إن مع المظلوم سلاح ماض لا يفل ألا وهو الدعاء على ظالمه وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)  وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) رواه الطبراني ولا بأس بإسناده في المتابعات فكيف ينام قرير العين من يبيت وخصومه يدعون الله عليه بحق والعياذ بالله.

أيها الإخوة :

من ظلم أجيراً فليتب إلى الله وليرد إلى الأجير حقه الذي ظلمه فيه أو ليطلب من العفو والمسامحة.

وإذا كان الأجير قد مات فليسلم الأجرة لورثته ، فإن جهل مكانه ولم يعرفه أو لم يعرف أحداً من ورثته فليتصدق بتلك الأجرة على نيته. فإن لقيه يوماً أخبره فإن رضي وإلا أعطاه أجرته وعاد أجر الصدقة له.

ثم اعلموا  رحمكم الله أن أحسن الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ بِدعة ضَلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يدَ الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا على عبد الله ورسوله محمّد كما أمَرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائِهِ الرّاشدين  أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين و عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أيد بالحق إمامنا اللهم أصلح له البطانة وأره الحق حقاً وارزقه اتباعه وأره الباطل باطلاً وارزقه اجتنابه

اللهم اشف ولي العهد وألبسه ثياب الصحة والعافية وأمد في عمره على طاعتك يارب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *