موقع د. علي بن يحيى الحدادي

أما بعد:

فإن من شعائر الله التي شرعها لعبادة وارتضاها لهم ذبح الأضاحي تقرباً إليه وإعلانا منهم عن توحيدهم له في عبادته جل جلاله وعظم شأنه وسلطانه فلا يذبحون ذبح قربة وتذلل وخضوع إلا له فلا يذبحون لحجر ولا شجر ولا لضريح ولا قبر ولا لولي ولا لنبي ولا لملك ولا بشر

لا يذبحون إلا لله ولا يذكرون على ذبائحهم غير اسم الله

ولتكون شكرا لله على نعمته عليهم ببهيمة الأنعام وتسخيرها لهم ليتم بها انتفاعهم بظهورها ولحومها وألبانها ونسلها وأشعارها وأوبارها ولولا أنه سخرها وذللها وهيأها لمصالحهم لما انتفعوا بشيء منها

قال تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ _  أي أنها لن تنفع أصحابها إلا إذا ذبحوها مخلصين لله لا رياء ولا سمعة ولا عادة _ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)

وقال تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال ابن جرير : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير. اهـ

وقال عكرمة وعطاء وقتادة: فصل لربك صلاة العيد يوم النحر وانحر نسكك.

وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وضحى الصحابة وأجمع المسلمون على مشروعيتها عن أنس بن مالك  رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين, أقرنين, ويسمي, ويكبر, ويضع رجله على صفاحهما. وفي لفظ: ذبحهما بيده – متفق عليه

ومعنى أملحين أي أبيضين

وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن, يطأ في سواد, ويبرك في سواد, وينظر في سواد; ليضحي به, فقال: “اشحذي المدية” , ثم أخذها, فأضجعه, ثم ذبحه, وقال: “بسم الله, اللهم تقبل من محمد وآل محمد, ومن أمة محمد” رواه مسلم

أي أنه ضحى بكبش أسود البطن والقوائم وحول عينيه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان له سعة ولم يضح, فلا يقربن مصلانا” رواه أحمد, وابن ماجه, وصححه الحاكم, لكن رجح الأئمة غيره وقفه

وقال ابن عمر في الأضاحي: هي سنة ومعروف

وعن جَبَلةَ بن سُحيم أن رجلا سأل ابن عمر عن الأضحية : أهي واجبة ؟ فقال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده ، رواه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم أن الأضحية ليست بواجبة. اهـ يعني ان جمهور أهل العلم على أنها مستحبة وليست بواجبة

ووقت الذبح بعد صلاة العيد والأفضل أن يكون بعد الفراغ من الخطبتين عن جندب بن سفيان – رضي الله عنه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم أضحى ثم خطب فقال « من كان ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله ». متفق عليه واللفظ لمسلم

ويشترط في الأضاحي والهدي أن تبلغ السن المحدد شرعاً وهو ما أتم خمس سنين من الإبل وما أتم سنتين من البقر وما أتم سنة من الماعز وما أتم ستة أشهر من الضأن

كما يشترط فيها السلامة من العيوب التي تمنع الإجزاء عن عبيد بن فيروز رحمه الله قال : « سألنا البراء عما لا يجوز في الأضاحي ؟ فقال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه ، وأناملي أقصر من أنامله فقال: أربع – وأشار بأربع أصابعه- لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها ، والمريضة بين مرضها ، والعرجاء بين ظَلْعها ، والكسير التي لا تنقي قال : قلت فإني أكره أن يكون في السن نقص ؟ قال ما كرهت فدعه، ولا تحرمه على أحد ». رواه الخمسة. وصححه الترمذي, وابن حبان

فهذه العيوب وما كان أشد منها مانعة من الإجزاء

وما كان دونها فإنها لا تمنع الإجزاء ولكنها تنقص الأجر والثواب كمكسورة القرن ومشقوقة الأذن ونحو ذلك.

وكلما كانت أسمن وأثمن وأحسن كانت أعظم عند الله وأكثر أجراً لأن الحرص على كمال أوصافها دليل على تعظيم شعائر الله قال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) قال بعض السلف: إعظامها: استحسانها واستسمانها.  ولا يجوز أن يعطي الجزار أجرته منها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه, وأن أقسم لحومها وجلودها وجلالها على المساكين, ولا أعطي في جزارتها منها شيئا) متفق عليه

والشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ومن أدخله معهم في ثوابها، ولا يجوز الاشتراك في الشاة

واما البقر والإبل فالواحدة تجزئ عن سبعة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية: البدنة عن سبعة, والبقرة عن سبعة  رواه مسلم

ولحم الأضاحي والهدي يؤكل منه ويهدى منه ويتصدق منه قال تعالى (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) أي الفقير الذي يسأل الناس والفقير الذي لا يسأل

ويوم العيد وأيام التشريق الثلاثة من بعده كلها أيام ذبح وأكل وشرب والحمد لله فضحوا عباد الله وطيبوا بها نفساً ومن كان لا يجد قيمتها فلا حرج عليه أن يشتريها بالدين إذا كان يعلم أنه قادر على الوفاء فيما بعد.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

أما بعد:

أيها المسلمون اتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا أنكم في أيام مباركة هي أعظم الأيام وأحبها إلى الله تعالى فاستكثروا فيهن من الأعمال الصالحة من نوافل الصلاة والصيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن والتكبير والتهليل والتحميد ومن لم يكن حج فرضه وتهيأت له الفرصة في هذا العام فليبادر ولا يؤخر فمن أخره لغير عذر شرعي فهو آثم.

حجاج بيت الله لقد جئتم لأداء نسك عظيم فاتقوا الله بالإخلاص له والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيق حقيقة الحج الذي هو إفراد الله بالتوحيد والبراءة من الشرك مع الله آلهة أخرى في العبادة

كونوا إخوة في الله تعالى لا يظلم أحد أحد ولا يبغي أحد على احد ولا يؤذي أحد أحد في طواف أو سعي أو رمي جمار أو إفاضة

التزموا بأنظمة البلاد وحافظوا على سلامة المنافع العامة واشكروا للمحسن إحسانه لقد قام قادة البلاد حفظهم بكل ممكن مما فيه راحة الحجيج والتوسعة عليهم وجندت من الإمكانات ما يراه ويعترف به كل منصف لا يفعلون ذلك منة على أحد ولكنهم إن شاء الله يقومون بذلك أداء للواجب الذي كلفوا به وشكراً للنعمة التي شرفهم الله بها وهي خدمة بيت الله وخدمة ضيوفه

نسأل الله أن يكتب لهم الأجر وأن يضاعف لهم المثوبة كما نسأله سبحانه أن يحفظ الحجاج والمعترين وأن ييسرلهم أداء مناسكهم آمنين

معاشر المؤمنين صلوا وسلموا