العنوان : من آداب خروج المرأة من البيت
أما بعد:
فإن خروج المرأة من بيتها لحاجتها مما أذن فيه الشرع، ولكنه قيّد هذا الإذن بقيود جليلة تضمن صون المرأة والحفاظ عليها وإكرامها.
فمن هذه الضوابط الشرعية:
أولًا: ألا تمس طيبا؛ قال أبو موسى الأشعري، قال رسول الله ﷺ: «أيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدوا من ريحها، فهي زانية» رواه أبوداود، ([1]). وذلك أنها إذا مرت على الرجال متطيبة حركت شهوتهم، وأزاغت أبصارهم إليها، وهذه مقدمات الزنا ودواعيه، والعياذ بالله.
ثانيًا: ألا تخرج بلباس زينة؛ لأن النبي ﷺ لما نهى عن خروجهن متطيبات عُرِف أن ما في معنى الطيب منهي عنه، فكما أن الطيب يحرك الشهوة ويلفت الأنظار فكذلك الثياب الجميلة لها ذلك الأثر السيِّئُ. قال في «عون المعبود»: «ويلحق بالطيب ما في معناه من المحركات لداعي الشهوة كحسن الملبس، والتحلي الذي يظهر أثره، والزينة الفاخرة». اهـ.
ثالثًا: أن تلتزم عند خروجها من بيتها بالحجاب الشرعي، وذلك بستر كامل بدنها، فلا تظهر شيئًا منه؛ لا الوجه _على الصحيح_ ولا غيره، ولها أن تلبس النقاب إذا كان على وضع لا يفتن، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور:31]، أي: ما ظهر من زينتها بغير قصد منها، فلا إثم عليها في ذلك، أو المقصود من ذلك عباءتها وجلبابها؛ إذ لا بد أن تظهر. وقال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب:59]، أي: أنها إذا خرجت متحجبة متسترة عرفها الناس بالحشمة والحياء والعفة، فلا يتعرض لها من في قلبه مرض. قالت أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
رابعًا: ألا تتشبه المرأة بالرجل، فتمشي كما يمشي، أوترفع صوتها كما يرفع الرجل صوته، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لعن النبي ﷺ المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء([2]). وعن أبي أسيد أنه سمع رسول الله يقول- وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق- فقال رسول الله للنساء: «استأخِرْنَ؛ فإنه ليس لكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريقَ، عليكن بحافَات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. رواه أبو داود([3]).
خامساً : إذا احتاجت المرأة أن تكلم الرجل الأجنبي عنها، فلا يجوز لها أن تخضع له بالقول، قال تعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب:32]. قال ابن كثير: «ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها».
إخوة الإيمان، هذه بعض تعاليم الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالآداب التي ينبغي، بل يجب أن تلتزم بها المرأة عند خروجها من بيتها، وما شُرعت هذه الآداب إلا من أجل الحفاظ عليها؛ ليسلم لها قلبها وإيمانها وأخلاقها وعفافها، وحتى يكون المجتمع الإسلامي مجتمعَ طُهر وعِفَّةٍ، فليست قيودًا وأغلالًا كما يصورها خصوم الإسلام وأهله، ولكنها أحكام تشريفية شرفت بها المرأة، حتى لا تكون متعة لكل غادٍ ورائحٍ.
الخطبة الثانية
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله واعلموا أن أولى الناس باهتمامكم ورعايتكم هم أهل بيوتكم؛ من أولادكم ونسائكم، وقد أمركم الله أن تقوموا برعايتهم ووقايتهم من النار، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم:6]. ومن وقاية الرجل لأهل بيته أن يأمرهن بالقرار في البيوت فلا يخرجن إلا لحاجة لقوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب:33]. أي «الْزَمْنَ بيوتَكن، فلا تخرجن لغير حاجة». قاله ابن كثير.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها» أخرجه ابن خزيمة وابن حبان([4]). فهذا ترغيب عظيم للمرأة أن تلزم بيتها، فلا تخرج منه إلا لحاجة.
ولقد أذن النبي ﷺ للمرأة أن تصلي في المسجد، ومع ذلك أخبر أن بيتها خير لها من المسجد، فما بالك إذا كان الخروج للأسواق ونحوها؟!
فمُرُوا نساءكم بالقرار في البيوت، ورغِّبوهن في ذلك، واقضوا حوائجهن ما استطعتم، وإذا كان لا بد من خروجهن فليخرجن على الهيئة الشرعية. والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أبو داود برقم (4175)، والترمذي برقم (2786)، والنسائي برقم (5126) وقال الترمذي: حسن صحيح.
([2]) صحيح البخاري رقم (5885).
([4]) صحيح ابن خزيمة برقم (1685)، وصحيح ابن حبان برقم (5598 ، 5599).