العنوان : لماذا يحتفي خامنئي بسيد قطب؟
الخلاف العقدي بين السنة والرافضة خلاف جذري ، والمسافة بينهما مسافة بعيدة كل البعد.
وعلى سبيل المثال فإن خير هذه الأمة بعد نبيها عند أهل السنة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومع ذلك فإن هؤلاء الخلفاء الراشدين ما عدا علياً رضي الله عنه هم شر الخلق لدى الرافضة (انظر على سبيل المثال رسالة تخريب لا تقريب)
فمن البدهي أن تكون العداوة الدينية حاجزاً يحول بين الثناء على المخالف وتزكيته والإعجاب به وبتراثه وفكره فإذا وجد ما يخالف هذه القاعدة كان لا بد من البحث عن التفسير الصحيح لهذا الأمر المريب.
ومن هنا فقد استوقفني احتفاء رافضة العصر بسيد قطب عبر مظاهر متعددة ومنها العناية ببعض كتبه ولعل من الأمثلة المناسبة لهذا الاحتفاء قيام (علي خامنئي) بترجمة كتاب (المستقبل لهذا الدين) لسيد قطب مثنياً على المؤلِف والمؤلَف بقوله (هذا الكتاب ـ رغم صغر حجمه ـ خطوة رحبة فاعلة على هذا الطريق الرسالي. مؤلفه الكريم الكبير سعى بهذا الكتاب في فصوله المبوبة تبويبا ابتكاريا أن يعطي أولا صورة حقيقية للدين ، وبعد أن بيّن أنّ الدين منهج حياة ، وأن طقوسه لا تكون مجدية إلاّ إذا كانت معبرة عن حقائقه، أثبت بأسلوب رائع ونظرة موضوعية أن العالم سيتجه نحو رسالتنا وأن المستقبل لهذا الدين. ) ثم أثنى على كتابه الآخر (خصائص التصور الإسلامي) واعداً بترجمته أيضاً فيقول (أحد مؤلفاته القيمة والمبتكرة تحت عنوان: (خصائص التصور الإسلامي ومقوماته) ومترجم هذا الكتاب يعكف على ترجمته، وسيقدم قريبا إلى قراء الدراسات الإسلاميّة التحليلية) اهـ [عن موقع رافضي منشور على الشبكة].
إن من الأسباب الوجيهة لهذا الاحتفاء القرب العقدي والتشابه الفكري الذي يظهر جلياً في بعض مؤلفات سيد قطب مع طرح الرافضة في جملة من عقائدها وأفكارها ومنها على سبيل الإيجاز:
أولاً مشابهته للرافضة في الطعن في خلافة عثمان والطعن في معاوية وفي عمرو بن العاص رضي الله عنهم وشنه الحرب الشعواء على دولة بني أمية التي حكمت العالم الإسلامي في المائة الأولى وبعض الثانية كما في قوله (وأخيراً ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل، والخير بالشر، ولكن لا بد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ، ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت أقرب إلى روح الإسلام واتجاهه من موقف عثمان أو بالأدق من موقف مروان ) [العدالة 189 ط5] وقوله (وحين يركن معاوية وزميله _ يعني عمرو بن العاص _ إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل) [كتب وشخصيات ص (206) ]
ثانياً : ثناؤه وتزكيته للفئة الفاجرة السبأية التى خرجت على عثمان فقتلته وحكمه لها بأنها أقرب إلى روح الإسلام. [كما قرر في كلامه المتقدم آنفاً وانطر أيضاً الفقرة التالية]
ثالثاً: تزكيته للقرامطة الباطنية التي هي إحدى إفرازات المدرسة الشيعية، كما في قوله (والواقع أن اتهام النظام الإسلامي بأنه لا يحمل ضماناته، إغفال للممكنات الواقعة في كل نظام كما أن فيه إغفالاً لحقائق التاريخ الإسلامي الذي شهد الثورة الكبرى على عثمان، وشهد ثورة الحجاز على يزيد، كما شهد ثورة القرامطة وسواها ضد الاستغلال والسلطة الجائرة وفوارق الطبقات وما يزال الروح الإسلامي يصارع ضد هذه الاعتبارات جميعاً على الرغم من الضربات القاصمة التي وجهت إليه في ثلاثمائة وألف عام) [العدالة الاجتماعية 223]
ورابعاً انه يتبنى الثورة وإشعال الفتن في داخل المجتمعات الإسلامية للوصول إلى الحكم كما في قوله ( وهذه المهمة مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام غير منحصر في قطر دون قطر. بل مما يريده الإسلام ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة، هذه غايته العليا ومقصده الأسمى، الذي يطمح إليه ببصره، إلا أنه لا مندوحة للمسلمين أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها) [الظلال (3/145)]
إذن فليحتفوا بسيد قطب وبفكره المنسجم مع كثير من أبرز أفكارهم ليكون سنارة يصطادون بها الشباب السني إلى دائرة الرفض باسم هذه الشخصية التي أبرزها الإعلام الإخواني القطبي على أنها من أئمة السنة وأعلامها.
وليكون حجة لهم يواجهون بها من ينتقدهم في ضلالاتهم الكبرى بأننا لم ننفرد بهذه الآراء فهذا أحد مجددي الإسلام في القرن الهجري المنصرم _ حسب شهادتكم _ يقرر ما قررناه ، ويقول بما قلناه.
وإلا فلو كان الاحتفاء لمجرد كونه عالماً سنياً داعياً إلى الله فلم لا يحتفون بمن هو أعلم وأعظم جهادا كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن الوهاب أو من جاء بعدهم من أئمة الدعوة السلفية حقاً وصدقاً، ولم لم ينشروا كتبهم أو يترجموها ؟؟
هيهات ، ما أبعد ذلك ، لأن ميراث هؤلاء الأئمة يمثل السنة الخالصة النقية المحضة التي لم تشبها شوائب الرفض ولا التجهم ولا الاعتزال.
وأخيراً :
فإن من الغش للأمة عامة ولشبابها خاصة أن ينصحوا ويوجهوا لقراءة كتب هذا الرجل التي حازت على إعجاب أهل الضلال من رفض وخروج وتصوف واعتزال وفي الوقت نفسه وجهت لها أقلام النقد من قبل ثلة من أئمة السنة وعلمائهم تحذيراً مما فيها من الباطل والضلال.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.
علي بن يحيى الحدادي