توقير كبار السن اسم الله تعالى (الحفيظ) و (الحافظ) اسم الله تعالى (الفَتّاح). مكانة المساجد والمحافظة عليها. التحذير من الغيبة والنميمة التحذير من جهلة مفسري الأحلام تعظيم شأن الجمعة والتذكير ببعض أحكامها.

العنوان : حول تفجيرات الرياض

عدد الزيارات : 1614

أما بعد :

فقد شهدت الرياض عاصمة دولة الإسلام, وبلاد الحرمين, ومهبط الوحي, ومهد الرسالة, الرياض التي طالما مدت يدها تواسي المنكوبين وتطمئن الخائفين, وتغيث الملهوفين في مشارق الأرض ومغاربها

الرياض التي طالما بزغت منها أنوار التوحيد والسنة فأضاءت به الدنيا التي تعج بظلمات الشرك والجهالة والبدعة

الرياض البلدة التي أسلمت لربها, وخضعت لحكمه, فملكها الله القرى, وأخرج لها الكنوز من تحت الثرى, أدام الله عزها وأمنها واستقرارها وزادها شرفاً ورفعة .

شهدت هذه البلدة الطيبة جريمة منكرة, وحادثة بشعة نفذتها أيد خبيثة, ونفوس شريرة, وقلوب ملؤها الحقد والحسد والفجور

شرذمة تسمي الكفر إسلاماً, والجريمة جهاداً, والانتحار استشهاداً, والغدر والخيانة واللؤم شجاعة ومضاءً …

نكست رؤوسها وفسدت فطرها  وعميت بصائرها حتى رأت حسناً ما ليس بالحسن .

لقد اشتملت تلك الجريمة على جملة كبيرة من المفاسد والقبائح وإليكم بعضها:

أولاً: اشتملت هذه الجريمة على قتل نفوس مسلمة بغير حق, وقتل المسلم من أعظم الآثام وأبشع صور الإجرام . قال تعالى { ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً } .

وقال تعالى { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً }

وثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال ” لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ” رواه البخاري

وروى النسائي والحاكم وصححه عنه صلى الله عليه وسلم قال: ” كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً, أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً “

وروى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم قال: ” من قتل مؤمناً فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ” أي لا فرضاً ولا نفلاً, أو لا توبة ولا فدية يفتدى بها نفسه من النار .

فما أعظمه من ذنب وما أقبحه من جرم أن يقتل المسلم أخاه المسلم بغير حق .

ثانياً: اشتملت هذه الجريمة على قتل نفوس معصومة دخلوا هذه البلاد لمصلحة المسلمين بإذن ولي الأمر وأُعطوا العهد على سلامة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم, فنقضت هذه الشرذمة عهد الله, ونقضوا الميثاق وارتكبوا أمراً شنيعاً .

ففي صحيح البخاري ” من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفاً “

قال ابن حجر في بيان المعاهد ( من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة أو من سلطان أو أمان من مسلم ) اهـ كلامه .

وروى أحمد سننه عن النبي قال: ” يخرج عنق من النار فيتكلم ويقول وكلت اليوم بثلاثة بكل جبار عنيد, ومن جعل مع الله إلهاً آخر, ومن قتل نفساً بغير حق فينطوي عليهم فيقذفهم في جمر جهنم ) .

ثالثاً: اشتملت هذه الجريمة على قتل المرء نفسه وهو أعظم الجرائم قال تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .

وقال رسول الله ” من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن تحسى سُماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ” متفق عليه .

وقال صلى الله عليه وسلم ” الذي يخنق نفسه يخنقها في النار, والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النار والذي يقتحم يقتحم في النار ” رواه البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر رجلاً قتل نفسه قال ربكم: قد حرمت عليه الجنة ” متفق عليه

فلا يحل لمسلم أن يباشر قتل نفسه بيده وليس ذلك بجهاد وليست تلك الميتة بشهادة ولو كانت في قتال شرعي فكيف إذا كان في هذه الجريمة .

 رابعاً: اشتملت هذه الجريمة على الحرابة حيث حملوا السلاح على المسلمين وأخافوهم وروعوهم وسفكوا الدم الحرام .. والحرابة من أبشع الجرائم وهي محاربة لله ولرسوله وليست للمؤمنين فقط قال تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم } .

وقال صلى الله عليه وسلم ” من حمل علينا السلاح فليس منا ” متفق عليه

وقال صلى الله عليه وسلم ” من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي وإن كان أخاه لأبيه وأمه ” رواه مسلم  .

إن ترويع الآمنين يؤدي إلى تعطل مصالح الدين والدنيا فأي جهة أو جماعة ستقام في حال اضطراب الأمن .

أي درس سيقام يبين فيه التوحيد والحلال والحرام في حال اضطراب الأمن .

أي طعام أو شراب أو منام سيهنأ به صاحبه حين يشعر أن شبح الموت والقتل والدمار يتلفت إليه في كل لحظة .

أي نهضة أو عمران أو إصلاح ينتظر حين تمتد أيدي العابثين إلى التدمير والتفجير والاغتيالات والفساد في الأرض. أي عيشة سيعيشها الناس حين تعبث أمثال هذه الشراذم بكيان الأمة وأمنها واستقرارها .

ولهذا جاء حكم الله شديداً في أمثال هؤلاء المفسدين . إن ترويع المسلم ولو واحداً حرام فكيف بترويع المجتمع المسلم . قال صلى الله عليه وسلم ” لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً ” رواه أبو داود وصححه الألباني .

 وروي عنه أنه قال: ” من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة ” وهو ضعيف

فكم أحدثت هذه الشرذمة من الرعب والهلع والخوف في قلوب المؤمنين, الله من أخافنا فلا تؤمنه خوفه يوم الفزع الأكبر إنك قوي عزيز .

خامساً: اشتملت هذه الجريمة على الخروج على ولي الأمر حيث نقضوا عهده وخفروا ذمته. واعتدوا على سلطانه وافتاتوا على صلاحياته, والخروج على ولاة أمر المسلمين من أعظم المنكرات التي يترتب عليها فساد الدين والدنيا وخسارة الدنيا والآخرة, والعياذ بالله .

قال صلى الله عليه وسلم ” من خرج من الطاعة, وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية ” ثم قال: ” ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه ” رواه مسلم

وقال ” من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ” رواه مسلم

إن على المسلم السمع والطاعة لولاة أمره فيما أحب وكره, ولا يحل له معصيتهم إلا إن أمر بمعصية فلا طاعة في تلك المعصية ولا ينزعن يداً من طاعة وهذا معتقد أهل السنة والجماعة, وسلكت فرق الضلالة مسلك البغي والخروج على ولاة الأمر فلقي منهم المسلمون شراً عظيماً على امتداد التاريخ .

كفى الله المسلمين شرهم, وطهر البلاد من رجسهم .

سادساً: هذه الجريمة البشعة هي من الفساد في الأرض حيث سفكت فيها دماء وأصيب فيها أبرياء, وأتلفت فيها أموال معصومة, وكشفت عورات مستورة وخربت منازل على ساكنيها.

والفساد في الأرض من أقبح المنكرات, ومن أشنع المعاصي التي يعصى بها رب الأرض والسماوات . قال تعالى { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) وقال تعالى { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد }

وقال تعالى { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم فأصمهم وأعمى أبصارهم }

وقال تعالى { إن الله لا يصلح عمل المفسدين }

وقال تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها }

فنهى الله عن الفساد وبين أن منه سفك الدماء وإهلاك الحرث والنسل وأخبر أن عمل المفسد لا صلاح فيه, وتوعد المفسدين بعمى البصائر واللعنة والنار وبئست الدار .

سابعاً: لقد جنت هذه الجريمة كما جنت أخواتٌ لها من قبل على الإسلام والمسلمين وعلى بلاد الحرمين وعلى أهلها مع الأسف الشديد .

جنت على الإسلام يوم أفهمت العالم الذي لا يدرك حقيقة الإسلام أن الإسلام دين وحشية وإرهاب وغدر وقتل للأبرياء. أن الإسلام دين لا يفي بوعد ولا يوثق به في عهد . أن الإسلام دين نزعت منه الرحمة والرأفة والشفقة فلا يقدم إلا على سفك الدماء . أن الإسلام دين يهدم ولا يبني, ويفسد ولا يصلح , فمن يرغب في الإسلام من غير أهله يوم يُعرض له الإسلام بهذه الصورة المشوهة .

أي صَدًّ عن سبيل الله وعن دينه أشد أثراً من هذا الصد .

لا تصدقوا ما يقال عن انتشار الإسلام بعد هذه الضربات فإنها من دجل الذين يدافعون عنها ويتبنونها { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين, الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً } BR>وجنت على المسلمين حين أصبح كل مسلم هدفاً للريبة وسوء الظن لاسيما الذين يضطرون للسكن في بلاد الغرب أو يترددون عليها لمصالحهم كالدراسة والعلاج والتجارة ونحوها, حيث أصبحوا يعاملون في القلب معاملة متهمين لا أبرياء شرفاء .

فهل يتمكن المسلمين اليوم هناك من نشر دعوتهم وعرض محاسن دينهم كما كانوا يفعلون من قبل هيهات لقد ضُيق عليهم أشد التضييق بسبب هذه المغامرات المتهورة .

وجنت على بلاد الحرمين وهي بريئة من هذا الغلو وهي بريئة من هذه الجناية الكبرى على الإسلام, إن الذين تورطوا من أبنائنا في هذه المسالك الضالة لم يتلقوا التعاليم التي قادتهم إلى ما وصلوا إليه من علمائها ولا مناهجها.. ولكنهم تلقوها من الخارج أو تأثروا بها ممن وفد يحمل هذه الأفكار الغالية والتصورات الباطلة عن دين الإسلام, فنشروها في حين غفلة مستغلين حسن الظن بهم, وإحسان الظن بعدوك في العقيدة ولو كان من أهل الإسلام خطر شديد .

عباد الله :

هذه بعض مفاسد الجريمة البشعة التي شهدتها الرياض ولو لم تكن فيها إلا واحدة لكان كافياً أن تصنف من أبشع الجرائم فكيف بها مجتمعة وكيف بها وهي تلبس بلباس الإسلام

نسأل الله أن يكف عنا فساد المفسدين, وأن يديم علينا نعمة الأمن والطمأنينة والاستقرار .

الخطبة الثانية

أما بعد :

هل سأل أحد منكم نفسه كيف تورط بعض شبابنا وأبنائنا في هذه العمليات الإجرامية .

إنه سؤال ضروري, والإجابة الصحيحة عليه أعظم أهمية لماذا ؟ لأننا إذا عرفنا أسباب المرض سهل علاجه وإذا عرفنا أسباب المرض استطعنا أن نضع الوقاية لمن لم يبتلى به, إن شبابنا مستهدفون وإن هناك من يخطط ليل نهار ليجعل منهم أدوات لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل وإنما تنفذ ما تؤمر به ليستخدموهم غداً في عمليات مماثلة أو أشد فتكاً وفساداً وضرراً, وكل واحد من أبنائنا عرضة ليكون الضحية القادمة ما لم تدركهم رحمة الله أولاً ثم يدركهم التعاهد الصحيح والتوجيه السديد من الأسرة ومن المدرسة ومن المسجد بخطبه ومحاضراته ودروسه, ومن الإعلام على الجهات المؤثرة جميعاً أن تتعاون في ترسيخ منهج السلف الصالح في قلوب أبناءنا ذلك المنهج الذي هو بحق العصمة من كل فتنة.. والتي يحاول أعداء بلادنا وعقيدتنا أن يسلخوا منها أبناءنا ليتمكنوا من تغذيتهم بالأفكار الفاسدة .

ومن الوسائل الضرورية لوقايتهم تخليص البلاد من الكتب التي تحمل الأفكار التكفيرية الثورية والتي سطرتها أقلام تصور لنا على أنها رائدة التجديد الإسلامي في العصر الحديث كذباً وزوراً .

ومن الوسائل الضرورية توعية شعبنا وشبابنا بخطورة المناهج الوافدة التي دخلت بلادنا لتقضي على عقيدتنا السنية السلفية .

ولا يتمكن عامة الناس من تمييز هذه المناهج ومعرفة خطرها لكونها تتزيا بزي الإسلام والدعوة إلى الله, وفي النفوس حب للخير وميل إلى الشعارات البراقة فقد يسلمونهم أبناءهم بقصد طيب مع أن أولئك سيجعلون منهم أعداءً ألداء لعقيدتهم وبلدهم ولو عرفوهم لما فعلوا وقد يدفعون لهم الغالي والنفيس من أموالهم طلباً في الأجر مع أنها قد يدعمون بها من يفسد البلاد ويهلك الحرث والنسل ولو عرفوا الحقيقة ما دفعوا شيئاً.

فهذا واجب العلماء وولاة الأمر أن يبصروا الناس ويدعوهم بالأسلوب المناسب الذي يحقق الهدف دون مضرة أكبر للقضاء على أسباب الشر أو تخفيفها .

ومن الوسائل الضرورية لتجنيب البلاد أمثال هذه الجرائم تعاون المواطنين والمقيمين مع الدولة في التبليغ عن هؤلاء وأمثالهم, إن هذا العمل ليس من النميمة في شيء, وليس من الخيانة في شيء بل هو جهاد تثاب عليه وهو عمل صالح تتقرب به إلى الله فهو من أعظم أنواع التعاون على البر والتقوى .

وهذه البلاد معقل التوحيد وحصن الإسلام وقليل في حقها أن تبذل النفوس للحفاظ عليها تقرباً إلى الله لا تزلفاً لأحد سواه .

    2/7/1424هـ


اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة مُعلمة بـ *