جديد الإعلانات :

العنوان : الصبر: أنواعه وفضله

عدد الزيارات : 3975

أما بعد:
إن الصفات الطيبة كثيرة ولكنها تتفاوت في أهميتها وفضلها ومكانتها ومن أجل الصفات وأعلاها شأنا صفة الصبر فهو الحبل القوي الذي من تمسك به ظفر ومن أفلت يده عنه خسر.
والذي يهمنا في هذا المقام وهو مقام ديني ما يتعلق بالصبر الشرعي الذي أمر الله به وأحبه وأحب أهله ووعدهم عليه بسعادة الدنيا والآخرة.
إن الصبر أمر معروف معلوم وهو قوة في التحمل على فعل شيء في فعله مشقة أو على ترك شيء في تركه مشقة.
والصبر الذي امر الله به هو الصبر على طاعته والصبر عن معصيته والصبر على أقداره المؤلمة.
أما الصبر على الطاعة وهي فعل ما أمر الله به فلان الطاعات لا يخلو القيام بها على وجه التمام والكمال من مشقة ولذا سميت تكاليف لما فيها من الكلفة والمشقة.
فالصلاة مثلا من لم يتسلح لها بسلاح الصبر لن يقوم بها حقا فهي تحتاج إلى تعلم كيفيتها وتحتاج إلى الطهارة الشرعية وتحتاج إلى أدائها في الوقت وتحتاج إلى المحافظة على أركانها وواجباتها وسننها واجتناب ما نهي عنه فيها..وتحتاج إلى أدائها مع الجماعة وتكمليها بالسنن الرواتب القبلية والبعدية .. فما لم يتسلح المسلم بسلاح الصبر فلن يقوم بها ومثل ذلك يقال في الزكاة المفروضة لمن وجبت عليه فإخراج الزكاة يحتاج إلى دقة الحساب ويحتاج إلى البحث عن المستحقين ويحتاج إلى مراعاة وقتها ومقدارها وكل ذلك رهون بالصبر
ومثل ذلك الصوم الذي هو ترك مشتهيات النفوس من طعام وشراب ونكاح وقد يوافق الصيام أيام الحر والصيف حيث يطول النهار ويشتد العطش فما لم يتسلح المسلم بسلاح الصبر فلن يقدر على القيام به كما أمر الله.
وكذلك الحج إلى البيت الحرام فهو يحتاج إلى السفر وربما يكون السفر بعيدا وفيه التعرض لبعض المخاطر وفيه مشقة الزحام في الطواف والسعي والرمي وفيه مشقة المشي والتنقل بين المشاعر وربما دخله كلفة مادية أو صيام أو ذبح أو إطعام فلا عجب أن سماه النبي صلى الله عليه وسلم جهادا فما لم يتسلح المسلم بسلاح الصبر فلن يقوم به كما أمر.
وهكذا بر الوالدين ولا سيما مع تقدم العمر بهما وتعاقب الأمراض عليهما يحتاج القيام به إلى صبر وتحمل وسعة صدر وسماحة نفس وإلا فلن يكون إلا التقصير او العقوق..
وهكذا صلة الرحم وحسن الجوار تحتاج إلى قوة تحمل لما تتطلبه الصلة من الزيارة والمشاركة في الأفراح والأتراح والمعونة والبذل وغير من صور الصلة ومظاهرها..
وهكذا الأمانة في الوظيفة أيا كانت عسكرية أو مدنية فالوظيفة تحتاج إلى إعطائها كامل الوقت المتفق عليه ، وتحتاج إلى انجاز المعاملات والمهمات التي كلفت بإنجازها في وقتها المطلوب منك وتحتاج إلى الصدق مع رؤسائك ومراجعيك وتحتاج إلى العدل والحزم مع موظفيك الذين تحت يدك.
وأما الصبر عن المعصية والمعصية فعل ما نهى الله عنه فإن الصبر عنها ليس بالأمر الهين لأن المعاصي كثيرا ما توافق الشهوات والرغبات ولذا كانت النار محفوفة بالشهوات كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة (حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره).
فمن ذلك أن الشاب أو الفتاة أو حتى من جاوز سن الشباب قد تنازعه الشهوة المحرمة وربما تتهيأ له الأسباب فاجتنباها وتركها عند ذلك يحتاج منه إلى صبر ومشقة حتى يكف نفسه عنها وإن ضعف زلت به القدم ووقع فيما حرم الله عليه وباء بالعار والنار والخسران ما لم يتب ويراجع ربه أو يتفضل الله عليه.
وكذلك التاجر أو غيره قد تتهيأ له فرص الأرباح الوفيره بالجهد القليل ولكن بالطرق المحرمة فما لم يغلب شهوة المال فإنه سيقع فيما حرم الله ويأكل في بطنه نارا وسعيرا والعياذ بالله.
وهكذا قد تشتعل في الصدر شهوة الغضب التي تحمل على السب والشتم والقتل والظلم والعدوان فما لم يتسلح المسلم عند الغضب بسلاح الصبر وإلا وقع فيما حرم الله عليه من صور الظلم والبغي والعدوان.
وأما الصبر على الأقدار المؤلمة فإن المقادير لا تجري على ما نحب ونشتهي دائما وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان فقد يبتلى المرء بموت حبيب أو فراق عزيز أو خسارة مال أو يبتلى بفقر مدقع أو مرض مقعد أو يحال بينه وبينما كان يؤمله ويرجوه إلى غير ذلك من صور البلاء والألم.. فما لم يتسلح المسلم بسلاح الصبر عند حلول المقادير المؤلمة فإنه سيقع فيما حرم الله عليه من السخط على القضاء والقدر وربما سب الايام والليالي وربما دخله اليأس والقنوط من رحمة الله وربما شك في وجود الله أو في عدله والعياذ بالله. وربما عبر عن جزعه وسخطه بالصياح والبكاء بالصوت أو بشق الثياب أو لطم الخدود أو نتف الشعر وهذا يكثر عند النساء …
وبالمقابل فالمسلم مأمور بالشكر عند مجيء المقادير بما يحب من حصول مطلوب او تجدد نعمة ومن الناس من يقابلها بالكفر والغرور والبطر واستعمالها فيما حرم الله عليه.
إخوة الإيمان : هذه أنواع الصبر المطلوبة من العباد الصبر على الطاعةوالصبر عن المعصية والصبر على أقدار الله المؤلمة فمن استكملها كان من السعداء في الدنيا والآخرة ومن فرط فيها نقص من إيمانه وسعادته بقدر ما نقص نصيبه ممن الصبر عليها.
أسال الله أن يجعلني وإياكم من الشاكرين عند السراء الصابرين عند الضراء القائمين بطاعته قدر الطاقة المجتنبين معصيته ابتغاء وجهه إنه جواد كريم أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فبعد أن علمنا أهمية الصبر وعظم شأنه في استقامة العبد على الصراط المستقيم والمنهج القويم الموصل إلى جنات النعيم فلنعلم أن مما يعين على الصبر التأمل فيما ورد في شأن الصبر في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك ان الله أمر به فقال (ولربك فاصبر) فأمر بالصبر وأمر أن يكون الصبر لله فإن من الناس من يصبر على الطاعة أو عن المعصية أو عند حلول المصيبة لكن ليس لله بل من أجل كلام الناس فهذا لا ينفعه صبره عند الله. وقال تعالى (يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا) اصبروا في انفسكم على تقوى الله وصابروا غيركم فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتربية الأولاد ورعاية الأهل والزوجة والرد على أهل البدع وجهاد المشركين والكفار كل ذلك يحتاج إلى مصابرة.
وقال تعالى مرشدا عباده إلى السبب الأعظم في تحصيل مقاصدهم (واستعينوا بالصبر والصلاة) فغن التسلح بسلاح الصبر والصلاة مما يعين على احتمال الكاره وتحمل المشاق للظفر بالمطلوب.
وبشر تعالى الصابرين على طاعته واجتناب معصيته بأنهم معهم يعينهم وييؤيدهم ويوفقهم ويلهمهم رشدهم ويحميهم ويدافع عنهم وبشرهم بأنه يحبهم كما أحبوه فأقاموا على طاعته واجتنبوا معصيته وصبروا على قدره. فقال تعالى (والله مع الصابرين) (والله يحب الصابرين)
وبشر الصابرين على مر القضاء بصلوات من ربهم عليهم ورحمة وهداية لهم كما قال تعالى 0وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمه واولئك هم المهتدون)
وبشر النبي صلى من ترك الزنا لله مع قدرته عليه بأن يظله الله في ظله ومن ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه كما رواه بمعناه احمد عن رجل من الصحابة ومن ترك إنفاذ غضبه مع قدرته على الانتقام خيره الله يوم القيامة من الحور العين ما يشاء ..
فتخلقوا بالصبر واسالوا ربكم أن يجعلكم من الصابرين فما دخل أهل الجنة الجنة بعد فضل الله إلا بالصبر (أولئك يجزون الغرفة _أي الجنة_ بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما) (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)..جعلني الله وإياكم منهم.
معاشر المؤمنين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *