جديد الإعلانات :

العنوان : التعليقات المختصرة على حائية ابن أبي داود رحمه الله – 3

عدد الزيارات : 2670

قوله رحمه الله:

15- وقل إنّ خير الناس بعد محمدٍ…وزيراه قِدماً، ثم عثمان لارْجحُ

    16- ورابعهم خير البرية بعدهم … علي حليف الخير بالخير منجح

التعليق:

هذان البيتان  يتحدث الناظم فيهما  عن عقيدة السلف في الخلفاء الاربعة وأنهم أفضل هذه الأمة. فقال : ( وقل ) أي صرح وبين أيها السلفي بما جاء في هذا البيت وهو ( إن خير الناس ) خير :- أفعل تفضيل أصلها أخير ، تقول فلان أخير من فلان ، أي اشتركا في الخيرية ولكن فاق أحدهم على الآخر ، ثم حذفت الهمزة من باب التخفيف من أخير إلى خير.

قال ابن مالك في ألفيته:(وغالباً أغناهم خير وشر..عن قولهم أخير عنه وأشر)

(بعد محمدٍ) صلى الله عليه وسلم وبعد النبيين فإنه لا أحد خير من الرسل والأنبياء فهم أعلى الخلق رتبة عند الله سبحانه وتعالى فإن الله اصطفاهم واجتباهم.

( وزيراه ) خبر إن ، ووزيراه : مثنى وزير وهو المعين ويعني بهما أبا بكر وعمر ، فأبو بكر هو : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مره بن كعب القرشي التيمي. يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.

وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه.

ولد بعد الفيل بسنتين وكان من تجار أهل مكة وعقلائها ، ومن أوسع الناس علماً بالأنساب وما يتعلق بها ، كان أول الناس إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، و أحب الرجال إليه . وكان صاحبه في الغار ، ورفيقه في الهجرة صاهره النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته عائشة شهد له الرسول بالجنة وأمر بأن ينوب عنه في الصلاة في مرض موته ، وقال : ( لو كنت متخذاً خليلاً من الناس ، لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صاحبكم خليل الرحمن ) متفق عليه.

وأمر بسد الأبواب التي تفتح إلى المسجد إلا باب أبي بكر رواه البخاري ،  وسماه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق ، فقال لما اضطرب جبل أحد : (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) وكان معه أبو بكر وعمر وعثمان.

ولـمّح النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه الخليفة من بعده دون تصريح فمن ذلك:

1-       إنابته له في الصلاة  التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وقد فطن لذلك الصحابة فقال علي رضي الله عنه  : “نظرنا في أمرنا، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فقدمنا أبا بكر”. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى.

2-  أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تقول: الموت، قال صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر». متفق عليه من حديث جبير بن مطعم.

3-       قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة في مرض موته : ” ادعوا إلي أباك وأخاك حتى اكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن أنا أولى ويأبى الله عز و جل والمؤمنون الا أبا بكر” أخرجه مسلم واحمد _واللفظ له_ وابن حبان في صحيحه.

والمقصود : أن أبا بكر هو خير هذه الأمة بعد النبي وأنه الخليفة بعده بإجماع الصحابة فمن زعم أن علياً أولى بالخلافة من أبي بكر فهو ضال مضل لأنه بذلك يطعن في المهاجرين والأنصار .

والوزير الثاني هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي . يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي.

أسلم قديماً وعزّ المسلمون بإسلامه وولي الخلافة بعهدٍ من أبي بكر واستمرت خلافته 10 سنوات وأشهراً . قتل في المدينة شهيداً في ذي الحجة سنة 23هـ ، قتله أبو لؤلؤة المجوسي حقداً على عمر لأن الله عز وجل أباد على يده مملكة الفرس المجوسية .

ومناقبه كثيرة رضي الله عنه ومنها على سبيل الاختصار :

1-                       شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم له بأنه من أهل الجنة .

2-                       إخباره بأنه يموت شهيداً .

3-                       ما رآه الشيطان في طريق إلا سلك طريقاً آخر فَرَقاً أي خوفاً منه .

4-                       أنه مُحدَّث مُلْهَم  تنطق السكينة على لسانه.

5-                       أنه وافق ربه عز وجل في مواطن كثيرة كالحجاب وأسرى بدر ومقام إبراهيم وغيرها.

6-       أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يشرب لبناً ثم أعطى فضله عمر وأوّله بالعلم .

7-                       عرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وعليهم قمص منهم من يبلغ قميصه إلى الثدي، ومنهم دون ذلك، ومرّ عليه عمر وعليه قميص يجره قالوا ما أولته يا رسول الله ؟ قال: الدِّين. متفق عليه.

ثم يليه في الفضل عثمان رضي الله عنه:

وهو أمير المؤمنين الخليفة الثاني عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. وأمها عمة النبي صلى الله عليه وسلم : البيضاء بنت عبد المطلب.

وهو أحد الخمسة السابقين الذين أسلموا على يدي أبي بكر ، وكان خير الناس بعد عمر رضي الله عنه قال ابن عمر :  «كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا نفاضل بينهم» رواه البخاري.

وفضائله كثيرة جداً ومنها:

1-   أنه هاجر الهجرتين الأولى والثانية إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة.

2- زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية ، ولما ماتت زوجه بأختها أم كلثوم ، ويروى أنها لما ماتت قال : لو كان عندنا ثالثة لزوجناه ، وقال بعض أهل العلم  لم تجتمع بنتا نبي لأحد غير عثمان ، عن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي قال: قال لي خالي حسين الجعفي: يا بني تدري لم سمي عثمان ذا النورين؟ قلت: لا أدري قال: لم يجمع الله بين ابنتي نبي منذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة لغير عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلذلك سمي ذا النورين ” رواه البيهقي في السنن الكبرى ، وقيل للمهلب بن أبي صفرَة: لم قيل لعُثْمَان ذُو النورين؟ قَالَ: لِأَنَّهُ لم نعلم أحدا أسبل سترا على ابْنَتي نَبِي غَيره” أورده العيني في عمدة القاري.

3-       اشترى بئر رومه وأوقفها في سبيل الله ، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من يشتريها ويسبلها بالجنة .

4-       أنه جهز جيش العسرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذاك( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) .

5-       أن الملائكة كانت تستحي منه ، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مضطجعاً في بيته وقد حسر الإزار عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن عليه أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، ثم استأذن عثمان فجلس صلى الله عليه وسلم وسوى عليه ثيابه وأذن له فسألته عائشة فقال : (ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة ) وفي رواية (إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال، أن لا يبلغ إلي في حاجته)

وفاته:

قتل عثمان رضي الله عنه شهيداً مظلوماً في ذي الحجة سنة 35 للهجرة ، قتله الخوارج الذين ألّبهم عبدالله بن سبأ فحصروه في بيته ثم قتلوه.

ثم قال ( ورابعهم ) أي في الفضل والخلافة ( خير البرية ) أي أن خير الناس في زمانه بعد موت عثمان ( علي ) هو ابن أبي طالب ( حليف الخير ) أي ملازم له قولاً وعملاً ظاهراً وباطناً ( بالخير منجح ) أي ظاهر به فائز به .

وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد المطلب فهو أقرب الاربعة نسباً من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ابن عمه، ويليه في القرب عثمان.

وفضائله كثيرة شهيرة ومنها:

1- أنه أول من أسلم من الصبيان على المشهور

2- قال له النبي صلى الله عليه وسلم:  “ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى” لما استخلفه على المدينة في غزوة تبوك

3- وقال صلى الله عليه وسلم في خيبر : (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه) فكان هو علي رضي الله عنه .

4- وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم  سيدة نساء أهل الجنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، ورضي عنها.

5- بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فهو أحد العشرة المبشرين بها.

 

ولي الخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، ووقعت في خلافته فتن وأمور عظيمة وعلى رأسها وقعة الجمل ثم صفين ، وعقيدة أهل السنة السكوت والكف عن الخوض في تلك الفتن التي وقعت بين الصحابة ، فهم بين مجتهد مصيب له أجران ومجتهد مخطئ له أجر واحد.

ومنّ الله عليه وعلى جنده الذين معه فكان أول هذه الأمة قاتل الخوارج وذلك في النهروان فلم ينج منهم إلا القليل.

وفاته:

استشهد في رمضان سنة أربعين للهجرة قتله الخارجي المارق عبد الرحمن بن ملجم عامله الله بما يستحق.

قوله رحمه الله:

17- وإنهم والرهط لا ريب فيهم… على نجب الفردوس في الخلد تسرح

18- سعيد وسعد وبن عوف وطلحة… وعامر فهرٍ والزبير الممدح

التعليق:

قوله ( وإنهم ) يعني الأربعة ، ( والرهط ) أي بقية العشرة ، (لا ريب فيهم) أي شك في عدالتهم واستقامتهم على الخير وبشارتهم بالجنة ، ( على نجب الفردوس ) أي إبلٍ قوية سريعة في الفردوس وهو أعلى الجنة ، (في الخلد) أي في جنة الخلد حيث لا موت ولا فناء ولا عدم، قوله ( تسرح ) أي في أرجاء الجنة .

ثم بين هؤلاء الرهط  فقال : ( سعيد ) هو : سعيد بن زيد عمرو بن نفيل . وفيه يجتمع مع عمر بن الخطاب ، فهو ابن عمه وزوج أخته فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها.

كنيته أبو الأعور، شهد المشاهد _يعني الغزوات_ مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد حصار دمشق وفتحها تحت إمرة أبي عبيدة فولاه عليها نائباً عنه.  كان آدم طويلاً أشعر ، توفي سنة 55هـ عن بضع وسبعين سنة.

( وسعد ) هو سعد بن أبي وقاص مالك بن أُهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وفيه يجتمع مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأبوه ابن عم آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم فهو من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم لذا كان يقول (هذا خالي فليرني امرؤ خاله) رواه الترمذي.

وأمه : حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. فيلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أمه في عبد مناف.

أحد السابقين الأولين إلى الإسلام ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يناوله السهام يوم أحد ويقول (ارم فداك أبي وأمي) قال بعضهم : ولم يجمعهما لأحد غيره ولكن ثبت في البخاري أنه جمعهما أيضا للزبير. وكان مجاب الدعوة. توفي سنة 55 هـ وهو آخر من مات من العشرة المبشرين بالجنة.

( وابن عوف ) هو أبو محمد : عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب ، وفيه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وأمه : قيل الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث ، وقيل : صفية بنت عبد مناف بن زهرة.

كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة أو عبد عمرو فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن.

أحد الخمسة السابقين الذين أسلموا على يدي أبي بكر ، وأبلى في أحد بلاء حسناً حتى إنه أصابته عشرون جراحة بعضها في رجله فعرج منها، و كان كثير المال فأنفق أموالاً عظيمة في الجهاد في سبيل الله وفي الصدقات،  مات سنة اثنتين وثلاثين وقيل غير ذلك.  وكان طويلاً جميلاً أبيض مشرباً بحمرة.

( وطلحة ) هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ، يلتقي مع أبي بكر في عمرو بن كعب، ومع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب.

أحد العشرة، وأحد الثمانية الذين سبقوا للإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يدي أبي بكر الصديق، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض.

وأمه: الصعبة بنت الحضرمي رضي الله عنها، أخت العلاء بن الحضرمي. شهد أحداً والمشاهد بعدها، وأبلى في أحد بلاء عظيماً حتى قال أبو بكر: ذاك يوم كله لطلحة. وهو أحد الطلحات الخمسة المشهورين بالجود والكرم.

قتل رضي الله عنه في معركة الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ستين سنة.

 

 

 

( وعامر فِهْر) أي أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن مهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك. ويلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك الذي يقال هو قريش.

وأمه أميمة بنت غنم بن جابر وقد أسلمت رضي الله عنها. واسم امرأته تحيفة.

أحد السابقين الأولين ، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة ، وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد. ونزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجنة النبي صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنيتاه _ أي سنّاه الأماميتان في مقدم الفم_. وأثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال (هذا أمين هذه الأمة) متفق عليه. وكان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفتح الله على يديه أكثر الشام.

كان رجلا نحيفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طُوالاً ، أجنأ ، أثرم. توفي في طاعون عمواس سنة 18هـ في خلافة عمر رضي الله عنهما.

(والزبير الـمُمَدّح) أي الممدوح بمناقبه وفضائله وهو:

أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب.

وأمه  صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها. وأول من سل سيفه في سبيل الله ، أسلم حدثاً ابن ست عشرة سنة. وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن لكل نبي حوارياً وإن حواريي الزبير) متفق عليه، وقال عثمان : “إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم” رواه البخاري.

كان الزبير رجلاً طويلاً خفيف اللحية والعارضين. وقتل رضي الله عنه منصرفه من وقعة الجمل سنة 36هـ . قتله ابن جرموز وهو نائم في وادي السباع فقالت زوجته عاتكة بنت زيد ترثيه :

غدر ابن جرموز بفارسة بهمة .. يوم اللقاء وكان غير معرد

يا عمرو لو نبهته لوجدته …لا طائشاً رعش الفؤاد ولا اليد

شلت يمينك إن قتلت لمسلما … حلت عليك عقوبة المتعمد

إن الزبير لذو بلاء صادق … سمح سجيته كريم المحتد

كم غمرة قد خاضها لم يثنه ….عنها طرادك يابن فقع القردد

فاذهب فما ظفرت يداك بمثله …فيما مضى ممن يروح ويغتدي.

فرضي الله عن العشرة المبشرين وعن سائر أصحاب نبينا الأكرمين وجمعنا بهم في جنات النعيم.

قوله رحمه الله:

19- وقل خير قولٍ في الصحابة كلهم… ولا تك طعاناً تعيب وتجرح

20- فقد نطق الوحي المبين بفضلهم…وفي الفتح أي في الصحابة تمتدح

التعليق:

هذا تعميم بعد تخصيص، فإن الناظم قدّم أولاً الثناء على الخلفاء الأربعة ثم باقي العشرة اهتماماً بشأنهم وتنويهاً بمكانتهم، فبين أنهم خير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم من أهل الجنة، ثم أخذ يبين أن الصحابة كلهم لهم علينا حق التوقير والتقدير، والاعتراف بفضلهم ومكانتهم، وعدم ذكرهم إلا بالجميل الطيب من القول. لأن هذا هو ما أمر الله به في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته.

فقال : (وقل خير قولٍ في الصحابة كلهم) أي دون استنثاء أحد منهم ، سواء ممن طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم أو لم يصحبه إلا لحظة ما دام قد لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام. وسواء ممن أدرك الفتنة التي وقعت بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وشارك فيها أو لم يدركها أو اعتزلها، وسواء من أسلم قبل الفتح وهاجر أو أسلم بعد الفتح.

فهم وإن تفاوتوا في الفضل إلا أنهم يشتركون جميعاً في الخيرية والفضيلة والتقدم على من جاء بعدهم بفضل صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فإن أجر الصحة لا يعدله شيء

والقرآن والسنة مليئان بالنصوص التي تثني عليهم وتمدحهم وتزكيهم وتشهد لهم وتنهى عن الإساءة إليهم أو سبهم أو الطعن فيهم أو ذكرهم بسوء.

فمن أدلة القرآن الكريم:

قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ويدخلهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) فأثنى على المهاجرين والأنصار ثناء مطلقاً ولم يثن على من جاء بعدهم إلا مقيداً بقيد عظيم وهو أن يحسن في اتباعهم والاقتداء بهم.

وقوله تعالى (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم)

وقوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) وفي هذه الآية ثناء الله على كل أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم لعموم قوله (والذين معه) وأخبر سبحانه أنه مدحهم في التوراة ووصفهم فيها ، ومدحهم ووصفهم في الإنجيل وضرب لهم مثلاً بالزرع في تدرّج نموه حتى يستوي ويشتد ويكون في أحسن صورة يفرح بها المزارعون، فالصحابة تعجب حالهم وأوصافهم أهل الإيمان ويغتاظ منهم الكافرون المكذبون والعياذ بالله.

وقوله تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 8_ 10] فأثنى على المهاجرين وعلى الأنصار ثم أثنى على من بعدهم  بشرط سلامة قلوبهم وألسنتهم تجاه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم..

ومن أدلة السنة على فضل الصحابة وعلو مكانتهم الأحاديث التالية:

1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد، ذهبا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه» متفق عليه. ففي هذا الحديث النهي عن سب الصحابة كلهم، وفيه بيان فضلهم وأن أجر صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن لأحد أن ينال مثله رضي الله عنهم.

2-  عن  سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهو يحفر ونحن ننقل التراب، ويمر بنا، فقال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخره، فاغفر للأنصار والمهاجره» متفق عليه. وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة للمهاجرين والأنصار.

3-  عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» متفق عليه ، وفي هذا الحديث الشهادة للصحابة بأنهم خير هذه الأمة.

4- وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن حبراً من أحبار اليهود سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أول الناس إجازة؟ فقال صلى الله عليه وسلم : فقراء المهاجرين) رواه مسلم ، وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة لفقراء المهاجرين أنهم أول الناس يجوزون الصراط وهم أول الناس دخولاً الجنة يدخلونها قبل الأغنياء بأربعين خريفاً _ أي سنة_ وفي بعض الروايات يدخلونها قبلهم بنصف يوم أي خمسمائة عام.

5-  عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار» رواه مسلم.

6-  عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى صبيانا ونساء مقبلين من عرس، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم ممثلا _ أي واقفاً_  فقال: «اللهم أنتم من أحب الناس إلي، اللهم أنتم من أحب الناس إلي يعني الأنصار» متفق عليه.

7-  عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار» متفق عليه. وفي هذا الحديث نص واضح أن بغض الأنصار علامة على النفاق فلا يبغضهم مؤمن، وهذا يدل على أن من أبغض المهاجرين كان علامة على نفاقه من باب أولى لأن المهاجرين أفضل من الأنصار رضي الله عن الجميع.

وبعد أن أمر الناظم بإحسان القول في الصحابة نهى عن ضده وهو سبهم والقدح فيهم وذمهم فقال رحمه الله: ( ولا تك طعاناً  تعيب وتجرح ) أي لا تطعن فيهم وتذمهم وتعيبهم بنسبة الأقوال والأفعال والأوصاف السيئة إليهم كالنفاق والكفر والفسوق والكذب والخيانة والغش ونحو ذلك من الأوصاف الذميمة.

فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب أصحابه فقال: ( لا تسبوا أصحابي ) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا ذكر أصحابي ( أي بالسوء ) فأمسكوا ) رواه الطبراني.

وقال الإمام أحمد: “إذا رأيت أحدا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام ” أخرجه اللالكائي.

وقال أبو زرعة الرازي:  «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق , وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق , والقرآن حق , وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة , والجرح بهم أولى وهم زنادقة» أخرجه الخطيب في الكفاية.

فسب الصحابة واتهامهم بالصفات السيئة كالكذب والفجور والنفاق ونحو ذلك معناه أن نرد القرآن كله والسنة كلها لأن الذين بلغونا القرآن والسنة هم الصحابة فإذا كانوا كلهم أو بعضهم _ كما يزعم الرافضة والخوارج _ أهل ردة وكذب وفجور _ وحاشاهم_ فلا يمكن إذن تصديقهم فيما ينقلونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا رددنا الكتاب والسنة فقد رددنا الإسلام كله لأن الإسلام إنما هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن سب الصحابة أو أكثرهم فقد كذب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فالقرآن والسنة لس فيهما إلا الثناء على الصحابة وتزكيتهم ومدحهم والإخبار عن رضى الله عنهم وتوبته عليهم ووعدهم بالحسنى في الآخرة.

ومن سب واحداً فعلى ولي الأمر أن ينزل به العقوبة المناسبة من الضرب والحبس وغيرها من العقوبات التي تردعه وتردع غيره عن التعرض لجناب الصحابة.

وقد وقع كثير من أهل البدع في الطعن في الصحابة وسبهم وشتمهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة، ووقع فيه في هذا العصر عدد من المنتسبين إلى الدعوة إلى الله كسيد قطب الذي طعن في عثمان مطاعن متعددة، وطعن في معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما فوصفهما بالكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم والعياذ بالله لذا لا يستغرب أن يحتفي به الرافضة فيترجموا بعض كتبه إلى اللغة الفارسية.

فالواجب الحذر من هذه المزالق وحفظ اللسان عن المؤمنين عامة وعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *