جديد الإعلانات :

العنوان : التحذير من السحر وبيان علاجه الشرعي

عدد الزيارات : 12316

أما بعد:

فإن من نواقض الإسلام تعلم السحر أو تعليمه أو فعله أو الرضا به. فمن فعل شيئاً من هذه الأربعة كان مرتداً عن دين الإسلام خارجاً عن ملة التوحيد. والسحر كما يقول أهل العلم: رقى وتعاويذ وعقد ينفث فيها فتؤثر في بدن المسحور أو عقله أو قلبه بإذن الله القدري.

والسحر منه سحر حقيقي يؤثر في البدن إما بالمرض أو الموت، ويؤثر في العقل فيعود العاقل مجنوناً ويؤثر في القلب فيحب ما كان يكره أو يكره ما كان يحب. ومنه سحر تخييل يسحر الأبصار فترى ما لا وجود له في الواقع، كما حصل من سحرة فرعون فإنهم سحروا أعين الناس فصاروا يرون الحبال والعصي حيات تسعى وليس الأمر كذلك، بل كانت الحبال حبالاً والعصي عصياً وإنما حصل السحر للأبصار.

والسحر بجميع أنواعه بالمعنى الذي تقدم ذكره كفر أكبر مخرج من الملة قال تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون).

ففي هاتين الآيتين الكريمتين فوائد عظيمة ومنها:

أولاً: تبرئة نبي الله سليمان من السحر والكفر، بل هو نبي كريم من أنبياء بني إسرائيل، وما نسب إليه أنه إنما سخرت له الشياطين بالسحر فليس بصحيح وإنما سخرها الله له إكراما له، وهو من الملك الذي آتاه الله إياه ولم يؤته أحداً من بعده استجابة لدعائه حيث قال(وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي).

ثانياً: أن تعليم السحر كفر لقوله تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر).

ثالثاً: أن السحر من العلوم الشيطانية وليس من ميراث النبيين والمرسلين.

رابعاً: أن الله أنزل ملكين يعلمان الناس السحر ولكن جعل ذلك ابتلاء واختباراً لعباد، وكان الملكان لا يعلمان أحداً حتى ينصحانه ويبينان له ويقولان له (إنما نحن فتنة فلا تكفر).

خامساً: أن من تعلم السحر فقد كفر لقوله تعالى (إنما نحن فتنة فلا تكفر) أي فلا تكفر بتعلم السحر.

سادساً: أن السحر لا يحصل تأثيره إلا بإذن الله القدري الكوني كما قال تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي بإذنه القدري أما من حيث الشرع فالله عز وجل لا يأذن في السحر بل حرمه وكفّر أهله.

سابعاً: أن السحر كله شر وبلاء وضرر على صاحبه. والعلومُ على نوعين علوم نافعة وعلوم ضارة والسحر من العلوم الضارة قال تعالى (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم).

ثامناً: أن الساحر إذا مات قبل أن يتوب إلى الله عز وجل ويراجع توحيده كان في الآخرة من الخاسرين فليس له نصيب من رحمة الله ولا مغفرته ولا جنته، قال تعالى (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) أي ليس له من نصيب في الجنة.

فالسحر كفر يمنع دخول الجنة كما قال تعالى (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار).

تاسعاً: مما يؤكد كفر السحرة قوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا ) فدلت على أن السحرة ما آمنوا ولا اتقوا.

وقد جاء في السنة النهي عن السحر وبيان عقوبة أهله ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يارسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات).

وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وكل إليه) رواه النسائي.

وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من تَطَير أو تُطِير له أو تَكهن أو تُكهِن له أو سَحر أو سُحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) رواه البزار وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب إسناده جيد.

وإذا تأمل المسلم هذه النصوص وما جاء في معناها أدرك خطورة السحر والسحرة وبعض الناس قد يتهاون بقراءة كتب السحر أو النظر في برامج السحرة أو مواقعهم وقد يجره ذلك إلى عاقبة وخيمة فالواجب على المسلم أن ينأى عن السحر فمجرد تعلمه كفر ولو لم يفعله وكذا تعليمه لغيره كفر والرضا به كفر.

وعقوبة السحرة في الإسلام قتلهم تطهيراً للأرض من رجسهم ووقاية للمسلمين من شرهم، عن جندب الخير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (حد الساحر ضربة بالسيف) رواه الترمذي.

وفي صحيح البخاري عن بَجالة بن عَبَدة قال كتب عمر بن الخطاب أنْ اقتلوا كل ساحر وساحرة قال فقتلنا ثلاث سواحر وأخرج مالك وعبد الرزاق عن حفصة أم المؤمنين أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت.

فهذا حكم السحرة في دين الله ويجب على المسلمين أن يتعاونوا على البر والتقوى ومن ذلك أن يحتسبوا على السحرة والمشعوذين والكهنة فمتى علمتَ بواحد منهم فبلغ الجهات ذات الاختصاص حتى يقام عليه حكم الله.

إن السحرة في الغالب لا يتوصلون إلى السحر إلا بأشنع صور الكفر ومنها إهانة المصحف وتلويثه وسب الله تعالى وسب رسوله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

وجنايتهم على الناس عظيمة فكم حصل بسببهم من المآسي من قتل الأنفس بغير حق والتفريق بين الأحبة من الأزواج والأقارب والأرحام والأصدقاء. وكم سلبت على أيديهم من صحة وعافية وعقل وكم ملؤوا كثيراً من البيوت بالأحزان والحسرات بشنيع جرائمهم والعياذ بالله. فكشفهم وفضحهم ورفع أمرهم إلى الجهات المختصة من أحسن الأعمال وأفضلها مع صدق النية. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

أما بعد:

إن المؤمن قد يبتلى بالسحر فيصيبه منه شيء وهذا ليس بغريب ولا بمستحيل فقد وقع السحر على بعض سادات الخلق فأثر السحرة في بصر موسى عليه السلام بإذن الله كما ثبت بنص القرآن الكريم وأصيب بالسحر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سحره اليهودي لبيد بن الأعصم في مِشط ومُشاطة أي في شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خبأها في بئر ذروان واستمر البلاء به ستة أشهر كما في مسند أحمد وكان يُخيّل إليه أنه يأتي أهله وهو لا يأتيهم عليه الصلاة والسلام. ثم جاء الله بالفرج فأتاه ملكان فأخبراه بموضع السحر بعد أن دعا ربه ودعاه ثم دعاه.

وهذا مما اتفق أهل السنة على الإيمان به إذ أجمعوا على أنه صلى الله عليه وسلم أصيب بالسحر ابتلاء من الله له ورفعة لدرجاته وليعلم الناس أن محمداً بشر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ويعتقد أهل السنة أن هذا السحر لم يؤثر على التشريع فلم يدخل في الإسلام ما ليس منه لأن الدين محفوظ بحفظ الله له، قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

والسحر داء من الأدواء وقد قال صلى الله عليه وسلم (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) رواه البخاري. وعلاج السحر يكون بالرقية الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كسورة الفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة والإخلاص والمعوذتين وآيات السحر وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به أو يعلمه لغيره من الرقى. فهذا أحسن الأدوية وأنفعها لعلاج السحر ويكون أيضاً بحل عقد السحر وإتلافها ويكون بالأدوية المباحة إذا أشار بها أهل الاختصاص وعلموا أن فيها نفعاً، فهذا ما يرفع به السحر.

وأما حل السحر بسحر مثله فحرام لا يحل أبداً، وهو ما يسمى بالنشرة والدليل على تحريمها حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النشرة فقال (هي من عمل الشيطان رواه أحمد وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب بإسناد جيد.

وقال عليه الصلاة والسلام (تداووا ولا تداووا بحرام ) ولا شك أن السحر من أعظم المحرمات وعن ابن مسعود أنه قال (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ) وروي مرفوعاً فهذه نصوص صريحة صحيحة في تحريم التداوي بالمحرمات.

ومن استرقى وتداوى بالمباحات فلم يشف فليصبر وليحتسب وليحسن الظن بربه وليحذر أن يزيغه الشيطان فيلجأ إلى ما حرم الله تعالى عليه. فعاقبة الصبر والتقوى لا مثل لها قال تعالى (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).

اللهم عليك بالسحرة والكهنة والمشعوذين ، اللهم طهر بلاد المسلمين من شرهم وأذاهم وبغيهم يا رب العالمين، اللهم اشف مرضى المسلمين، اللهم ارفع عنهم البأس والبلاء والضراء برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *